لنأخذ المثال الآتي، ارتفع إجمالي التبرعات الخيرية في المملكة المتحدة خلال عام 2020 من 10.6 مليار جنيه إسترليني إلى 11.3 مليار جنيه إسترليني، إلّا أنّ هذا الارتفاع يعود في الحقيقة لزيادة متوسط مبلغ التبرّع، على عكس عدد المتبرّعين الذي شهد انخفاضاً خلال تلك الفترة، كما تشير آخر بيانات العام الماضي إلى أن هذا المسار آخذ في التزايد في عالم التبرُّعات الخيريّة.
إلّا أن ما سبق لا يغيّر من حقيقة كون قطاع المؤسّسات الخيريّة قطاعاً ضخماً، ففي الولايات المتحدة، يعدُّ قطاع الأعمال غير الربحية ثالث أكبر قطاعٍ من حيث أعداد العاملين، فضلاً عن أنّ الجمعيّات الخيريّة الأمريكية تلقّت خلال عام 2020 تبرّعات يصل مجموعها إلى 471.44 مليار دولار.
إذا لم يتعرّض قطاع المؤسّسات الخيريّة لأي مشاكل، فمن المتوقع أن تتزايد صعوبة استقطاب المتبرعين مع مرور الوقت، وعلى وجه الخصوص صعوبة إقناعهم بالدخول في اشتراكٍ لتقديم تبرّعٍ بصورةٍ دورية. وفي قطاعٍ تتزايد حدّة التنافس فيه على الدوام، يتعين على المؤسسات الخيرية أن تزيد من جهودها حتى تستطيع أن إقناع العدد المحدود المتبقّي من المتبرّعين، وكما يتعيّن على المؤسّسات الخيريّة تحديث إجراءات التبرّع لديها بما يناسب العصر ويضمن تمتّعها بمزايا المرونة والسهولة حتى تظل ذات قدرة وتأثير، وذلك عبر الاعتماد على أحدث أساليب التبرُّع وتقنيّاته.
عالم يجمع بين الأوساط الرقميّة والمادّية
نظراً لاحتياج المؤسسات الخيرية في وقتنا الحاضر لاستقطاب متبرعين جددٍ بوتيرةٍ غير مسبوقة، فمن الضروري التأقلم مع آخر توجّهات الداعمين المحتملين، إذ نرى في الوقت الراهن أن معظم الشباب يُفضّلون التبرع دون أن يُلزموا باشتراكات ومبالغ شهرية للتبرّع، بل في الوقت الذي يناسبهم ولمصلحة الجمعيات الخيرية التي يختارونها.
في شهر مارس من عام 2020، لم تتجاوز نسبة المتبرّعين الذين يستخدمون تطبيقاً أو موقعاً إلكترونيّاً للتبرّع 13%، إلّا أن هذا الرقم وصل إلى 24% بحلول الشهر التالي. ومن المهم أن نتنبّه إلى أنّ هذا المسار كان واضحاً حتى قبل ظهور الوباء، لا سيما بين الفئات العمرية الأصغر سنًا. ومن الأمثلة التي تُثبت ذلك أن التبرعات عبر الهاتف المحمول تشهد ارتفاعا متواصلاً منذ عدّة سنوات، حتّى أنّها نسبتها تضاعفت ما بين عام 2015 إلى وقتنا الحاضر. وفي حين تشير الأرقام إلى أن أكثر من 40٪ من الناس يرسلون تبرّعاتهم عبر الإنترنت، نجد أن هذا الرقم يرتفع إلى 62٪ بين المتبرعين من الجيل زد و64٪ بين المتبرّعين من جيل الألفية.
في وقتنا الحاضر، أصبحت جميع مناحي حياتنا اليوميّة تتضمّن تقاطعاً ما بين الأوساط الرقمية والمادية، ولذا عليك أن تحرص على تمييز عملية التبرع لديك بمرونة تُسهّل الأمر على المتبرّعين وتتيح لهم كامل الحريّة فيما يتعلّق بوقت التبرع وعدد مرّاته والقنوات وطُرق الدّفع المُعتمدة.
نُطلعكم أدناه على الخطوات الأربع الرئيسية لتصميم عمليّة التبرع المثالية التي تضمن لكم تحويل المتبرّعين المحتملين إلى سفراء أوفياء لمؤسّستكم.
1. جمع البيانات هو حجر الأساس
يعدُّ البدء بإجراء بحثٍ شاملٍ ودقيقٍ أمراً في غاية الأهميّة عند السعي لاستقطاب متبرّعين لمؤسستك الخيرية وبناء علاقة طويلةٍ الأمد مع الأشخاص الذين يُقدّمون تبرّعاتهم من حينٍ إلى آخر.
من خلال تحليل البيانات، ستستطيع تحديد المتبرعين الأكثر ملائمةً لمؤسستك الخيرية والأكبر قابليةً للالتزام على المدى الطويل. استخدم البيانات لتخصيص الرسائل التي ترسلها إلى الداعمين، واحرص كذلك على دراسة بيانات زوّار الموقع دراسةً دقيقةً حتى تستطيع تعديل إجراءات التبرّع بالنّحو الأنسب والعثور على الأفراد الذين يملكون أهدافاً تتوافق مع أهداف مؤسستك، ولا تنسَ أيضاً هذه الأسئلة المهمة:
ما هي خصائص التي تميُّز المتبرّعين الدائمين لمؤسّستك؟
• أين يتركّز هؤلاء المتبرّعون؟
• ما هي قناة الاتصال المفضلة لديهم؟
• ما الأمور التي بإمكانك مراسلتهم بها؟
ولكن من ناحيةٍ أُخرى، نجد أن استخدام البيانات استخداماً فعّالاً يترافق مع تحدٍّ آخر تواجهه الجمعيات الخيرية، ألا وهو العثور على عدد كافٍ من الموظفين الذين يستطيعون إجراء عمليّات تحليل البيانات اللازمة بالكفاءةِ المطلوبة، ففي غضون عامٍ واحد، يُحتمل أن يصل النقص في أعداد كفاءات علوم البيانات إلى 250 ألفًا، ولذا يتعيّن على المؤسّسات الخيريّة فعل ما بوسعها للعثور على كفاءات قادرةٍ على إدارة بيانات المؤسّسة وتحليل، وذلك نظراً لأهميّة البيانات في تحديد المتبرعين وقياس مدى التأثير.
2. العثور على القناة الصحيحة
بمجرد انتهاء المؤسسة الخيرية من تحديد المتبرع المُحتمل المستهدف، تتمثّل مهمتها التالية في التأكد من وصولها إليهم عبر قنوات التواصل التي يفضّلونها برسالة مخصّصةٍ تناسبهم. ووفقًا لنتائج الاستطلاعات، ذكر 44% من المتبرعين أن لديهم قابليّة لزيادة تبرّعهم بنسبة 10% في حال ناسبتهم إجراءات التبرّع التي تتبنّها المؤسسّة، ونجد أن هذه النسبة ترتفع إلى 62% بين المتبرّعين من جيل الألفية.
تمثّل أول عمليّة تبرّعٍ خطوةً في غاية الأهميّة في سعي المؤسّسة لتحويل متبرّع محتملٍ إلى متبرع يقدّم تبرّعاته بنحوٍ منتظم، فبمجرّد حصولك على مبلغ التبرّع وبيانات المتبرّع، يمكنك البدء في بناء علاقة طويلة الأمد من خلال التواصل مع المتبرّع واطلاعه على كيفيّة التبرّع وأهميّته والأسباب التي تدفع لتقديمه، كما تُعتبر الشفافية مُتطلّباً أساسياً في هذه المرحلة. وتنبّه إلى أن وقت حصولك على التبرع الأول وقتٌ ملائمٌ لطلب المزيد من البيانات من المتبرع. احرص بعد ذلك على تخزين تلك البيانات لتسخّرها في تحسين جودة مراسلاتك وتخصيصها بنحوٍ أفضل مستقبلاً.
3. التبرع
تأكد من تيسير عمليّة الدفع وإزالة جميع العقبات التي قد تتخلّلها، واحرص على توفير طُرق الدفع التي يفضّلها متبرّعو مؤسّستك حتى لا تفوت أي عمليّة تبرّع، ولا تنسَ أن تسهيل عملية التبرعات وجعلها سلسة قدر الإمكان سيؤدّي إلى زيادة عائد الاستثمار المرتبط بالجهود التسويقية لمؤسستك الخيرية.
4. ابقِ على تواصلٍ وثيقٍ مع متبرّعينك
نظراً لكون الشفافية عاملاً أساسياً لدى المتبرعين، وخاصة الأجيال الشابة، يُعدُّ التبرع فرصة مثالية لطلب المزيد من البيانات. على سبيل المثال، اطرح على المتبرّعين الأسئلة الآتية لتحصل على مزيدٍ من المعلومات:
هل ترغب أن نُطلعك على الأثر الذي تركه تبرعك؟
ما قناة التواصل التي تفضل تلقي تلك المعلومات عبرها؟
احرص على الصراحةَ المُطلقة في جميع مراسلاتك، ولا تثقل متبرّعينك بوابلٍ من الرسائل غير ضرورية، عوضاً عن ذلك، راسلهم بأمثلة مبنية على أدلة بشأن التأثير الذي تركه تبرّعه. لا تتوانى أبداً فيما يتعلّق بخصوصية المتبرّعين ولا تشارك بتاتاً أيّاً من بيانات تواصلهم دون موافقةٍ مسبقةٍ منهم، ولكن تنبّه إلى أن ذلك لا يعني أن تقنع بتبرع يتيمٍ أو تبرّعٍ يُقدّم من حين إلى آخر، بل اسعَ بكامل جهدك لتحويل متبرّعينك إلى أعضاء وسفراء لمؤسّستك.
احرص على أن يكون تواصلك مع متبرّعينك حوارًا مستمراً، ولا تجعله مجرد موادّ تسويقيّة يرسلها طرف ويتجاهلها الطرف الآخر، وتذكر أن إنشاء علاقة طويلة الأمد يتطلّب ضمان قدرتك على التواصل مع المتبرعين وضمان قدرتهم على التواصل معك.
اكتساب أسبقيّة تميّزك عن منافسيك
يضمّ العالم العديد من الجمعيات الخيرية التي تتنافس فيما بينهما لاستقطاب عددٍ محدودٍ من المتبرّعين والأموال، ولكن الأمر الذي يمكنك من التميز في هذه العالم مُحتدم التنافس هو تسخير البيانات لتخصيص إجراءات التبرع بالنحو الأمثل. نُقدّم في CM.com كل ما قد تحتاجه المؤسّسات الخيريّة من خدماتٍ تحليل بياناتٍ وإدارة للمراسلات وخدمات تسويقيّةٍ وحلول دفع حتى تضمن توفير تكاليف المعاملات بأكبر قدرٍ ممكنٍ وإدارة إجراءات التبرع بشكل أكثر فعالية من خلال المراسلات المؤتمتة والشخصية.